الاثنين، 26 أبريل 2010

عصا موسى

كثيراً ما نسمع على المستوى الشخصي أو على المستوى السياسي مقولة أني " لن آلو جهداً لحل المشاكل ولكن ليس معي عصا سحرية " وكأن في العبارة إشارة إلى عصا سيدنا موسى عليه السلام .


فهل كان أمر العصا كذلك ؟ بالطبع لا، فالعصا ليست سحرية لأن السحر كفر وافتراء على الله ،إسمع قول الله سبحانه وتعالى على لسان موسى عليه السلام للسحرة :(قَالَ لَهُم مُّوسَى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى ) - (طه 61)


ولو كانت العصا سحرية فلماذا آمن السحرة على الفور ؟ الشيء المؤكد أن الأمر ليس كذلك فالسحر صناعتهم ،ولكن الأمر أعظم من ذلك فانظر الى قول الله تبارك وتعالى لموسى عليه السلام :( وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى )-(طه69)


وبالمقابل ياتي الجواب من السحرة ، في قوله تعالى :


(فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى)- (طه70)


"فألقي السحرة سجدا" لما رأوا من العصا الأمر العظيم فوق العادي ، الخارق لما اعتادوه من قوانينهم؛ ففهموا أن العصا ليست سحرية فهي ابتلعت على وجه الحقيقة لا الخيال جميع ما احتالوا به من الحبال والعصي .


وقد أكد الله سبحانه وتعالى هذه الخاصية للعصا الخارقة للعادة في موضع آخر في كتابه المجيد حين قال : وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لّا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى *(طه77).


وبعد أن تبع فرعون وجنوده موسى وقومه على الطريق الذي انشق بالعصا أراد سيدنا موسى بطبيعته البشرية ( أنت اذا فتحت طريقا تستطيع أن تغلقه وإذا كسرت شيئا تظن أنك تستطيع اصلاحه بلصقه وهكذا ....) أن يضرب البحر بالعصا ليطبقه ويغرق فرعون وجنوده وينجو هو وقومه ، لكن الله تبارك وتعالى الحكيم العليم أراد الأمر بشكل آخر فيقول لموسى عليه السلام : (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ) (الدخان24).


فأقول وبالله التوفيق كأن ربنا تبارك وتعالى يريد أن يبين لقوم موسى عليه السلام أن العصا ليست سحرية لكي لا يفتنوا بها ، فالسر لا يكمن في العصا بل في قوة ربِ حاملِ العصا ، يقول الله عز وجل في سورة البقرة :(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ)- (البقرة 165)

ماهر قرواني

الخميس، 22 أبريل 2010

وعادت الروح تخفق

بقلم: A. Qarawani


" كان نهاراً مطفأً في قلبي ، أنفاس قلبي مهترئة وثقيلة ، دمي الجاري في عروقي منهك لا يمنح جلدي لونا طبيعيا ً . كنت غريبا ً ، المكان يلفظُني بقسوة ، ويتبرأ مني . لم يعد لك شيء هنا" . هكذا اعتاد أن يشعر .
لم يمض سوى ثلاثة أيام على خروجه ِ من مركز التأهيل ، هناك حيث كانوا يغسلون دمه ويطهرونه من رجسه القديم . لا يتذكر أشياءَ كثيرة حدثت خلال آخر سنوات قضاها ، معظمها في أزقة مظلمة ، وغرف مقيتة ، مع أناس ٍ كثيرين لا يجمعهم سوى إدمانهم . كان يحاول أن يتذكر أول لحظة حدث فيها ذلك . أول لحظة حلق فيها في فلك الوهم . لم يبد ُ الأمر بالغ الخطورة حينها ، كانت لحظة نزع فيها إلى التهور ، وشعر بجرأة وقوة تملآن جسده عندما تناول جرعته الأولى ، لقد تعدّى خطا ً أحمر َ، وتفوق على جبنه من القوانين والمحرمات ، وكان ذلك صاخبا ً ومثيرا ً .
لم يشعر أنّه غطس في وحلٍ عفن ، ولم يدرك أنه غارق إلا في لحظة متأخرة ، تلك التي تشعر فيها باقتراب الموْت . وتصبح كل دروب العودة موصودة بأبواب ضخمة . " لقد أفسدناه يا حسين .. أفسدنا ولدنا بالدلع " ، كانت والدته تردد وتبكي في المستشفى . كان يصحو على صوتها ، قليلا ً . ثم يعود ويغفو بثقل . أحلامه مليئة بصيحات وعويل وروائح قذرة ، أزقة مخيفة ، ووجوه مرعبة ، عيون ناتئة تحدق به من كل صوب . وفي أحد الزوايا النتنة ، يجد حقنة مليئة بسائل الوهم والخداع ، تلمع وتبرق ، تناديه .. تجذبه ُ ... ثم تخترق قلبه حتى آخره وتبث سمها المؤلم . " لقد تمكنت منّي هذه الحقنة حتى الأبد " .
لم يعد يعرف من هو ، لم يعد يشعر بالحياة حوله ، كان ينفصل تدريجيا ً عن هذا العالم . كان يموت من الداخل ، كل شيء جميل وحيّ وشاب ، بدأ بالتعفن والتشوه . لم يكن يفكر سوى بجرعة الغد ، تلك التي تنسيه كل شيء وتحمله إلى طبقات بعيدة ، خارجة عن نطاق جاذبية الأرض. ينتشي للحظات ، ثم يغيب . وعندما يصحو ، يهوي سريعا ً ، نحو حفرة بلا قاع ، وبداخله وحش مسعور من الألم، يمزق كل شيء .
يهرع ُ كالمجنون إلى بيت صديقه ِ "أبو الخير" كما كان يدعوه المدمنون ، لم يكن يبخل على أحد بالجرعات الخيرية ، التي يوزعها على الشباب البائس . " أغثني وحياتك ، سوف أموت " . فيبتسم صديقه " اهدأ يا رجل .. عندي ما تطلب " . فيهديه جرعة ببلاش . ليغيب مرة أخرى ، ويرتاح حتى حين .
كيف وصل إلى هناك ؟ . لم يكن ينقصه شيء في حياته ، لقد عاش حياة كريمة ، وتمتع بنعم ٍ كثيرة منذ صغره . أجل .. لقد كان طفلاً محظوظاً ، تلقى أفضل تعليم .. وحاز على ما يتمناه كل طفل في حياته . لم يكن محروما ً ، أو حزينا ً ، لم يكن معذباً ... كان محاطا ً بالأشياء الثمينة ، والكثيرة . محاطا ً بالحفلات والأعياد والأصدقاء . وبالأهل الطيبين ، الذين سهروا لأجله . كيف اختفى كل ذلك فجأة من حياته ، ولم يعد يشعر سوى بالحقد والكره والغربة ، وبلعنة تسري في جسده ... ؟
لم يعد له أصدقاء ، تخلى عنه الجميع ... ولم يعد بإمكانه أن يلجأ إلى أحد سوى " أبو الخير " ، الذي يستقبله برحابة وبشاشة ، " أنا أفهمك يا رجل ، أنا أعرف ما تشعر به ، لا أحد يهتم بك ، لا أحد يدرك ما يعتريك ، لكن أنا عندي راحة البال ... خذ هذه الحقنة هدية مني ، صغيرة لا تخيف ، تنسى وتهدأ " . وكانت الهدايا تكثر وتكبر يوما ً بعد يوم ... ويزداد تأثيرها وسحرها ، كانت تفعل أشياء عجيبة ، تأخذه بعيدا ً وعاليا ً، هناك حيث تفقد الأشياء قيمتها .
تغيرت ملامح جسده وتصرفاته ، أصبح شخصا ً مختلفاً ، كريها ومرعبا ً . أوعيته الدموية نافرة تحت جلده الأصفر ، عيناه جاحظتان يملؤهما الدم . والدته تردد " أنت لا تأكل كثيرا ً يا ولدي .. انظر ما حل بك ، كل ْ .. كلْ أكثر " . والده لا يكترث كثيرا ً بحالته الصحية ، يقول لوالدته " ابنك هذا يتعاطى شيئاً " ، ثم يدخل وينام .
أما هو ... فلم يعد يعي ما يقال أو يحدث ، ولم تكن له سوى وجهة واحدة ، " أبو الخير" ...
" أنت يا أبو الخير، أنت منقذي وصديقي ، لم يساعدني أحد بقدرك ، لم يهتم بي أحد مثلك من قبل ، أعطني جرعة .. فأنا متعب " . فيبتسم أبو الخير ، ابتسامة جديدة هذه المرة " أجل يا صديق ، سأعطيك هدية .. لكنها آخر مرّة ، والمرة القادمة ، سآخذ منك مبلغا ً بسيطا ً مقابل كل جرعة ، تعلم الأوضاع صعبة ، والعيال بدها أكل " .
وهكذا ... اختفت عطايا أبو الخير وبركاته ، وأصبح هو أيضا ً شخصا آخر . وكانت الجرعات تزداد ثمنها يوما ً بعد يوم ..
المال الذي يحصل عليه من والده ، غير كاف .. كان لابد من أن يسرق بالخفاء . أن يأخذ كل ما يجده ، أن يبيع أغراضه ، وكل ما يتمكن بيعه من متاع البيت . كان يمضي أيامه وهو يحاول أن يوفر ثمن جرعة ، غير آبه ٍ ولا مكترث لما يحدث حوله . " هذه المرة فقط يا أبو الخير ، خذ نصف الثمن ، أنت تعلم أنني بحاجة إليها .. سأموت إن لم أحصل على هذه الحقنة " . فصاح به صديقه القديم " هذه المرة فقط ، والمرة القادمة سيكون ثمن جرعتك مضاعفا ً ، وإن لم تملك المال فلا تعد إلى هنا مرة أخرى " .
كانت شياطين الجحيم تشرب روحه ، وتمتصها بلؤم .. جال في شوارع المدينة غائبا ً وضائعا ً ، نام في أزقتها المظلمة ، وغرفها المشبوهة ، تعرف على تلك الطبقة المختئبة في احشاء العتمة والظلمات . كان عالما ً مجنونا ً ، وبشعا ً .. ذلك العالم السفلي . لكنه قد فقد نفسه تماما ً ، ولم يعد يذكر طريق العودة إلى بيته .ورأى العالم الذي تشرق فيه الشمس بعيدا ً ونائيا ً ، لا مكان فيه لأمثاله .
حاول أن يحصل على جرعاته بكل الطرق ، والأعمال المشبوهة ، لا يذكر كل ما قام به من أجل أن يقدم قربان لذلك الوحش الذي تملك جسده . مارس كل طقوس العالم المظلم . ولم تكن فيه خلية واحدة ناجية من جنون إدمانه . وكل مرة يعود إلى أبي الخير ، ذليلا وخاضعا ً ، راجيا أن لا يزيد ثمن الجرعات ويكتفي بما يأخذه منه .
لكنْ أبو الخير ، كان يعرف تماما ً ، كيف ينتشر اللهيب في جسد الشاب ، وكيف تجتاحه الطعنات ، وأن الألم الذي يزلزل أجزاءه لا يمكن أن يتوقف إلا بهذه الجرعة ، وأن هذا الشاب سيدفع ثمنها ولو دما وروحا ً . وبهذا كان يكسب رزقه من مئات الشباب الضائعين ، الذين ابتلعهم وحل الإدمان . " أنت تعرف يا صديقي أن الأوضاع صعبة ، ولا أستطيع أن أبيعك الجرعة بهذا المبلغ الصغير بعد الآن ، أنا أتعب في عملي ، وأنت تعرف الخطر الذي أواجهه لأوفر لك هذه الحقنات " .
- لكنني أحتاجها ... أنا أتمزق
- هذه مشكلتك . وليست مشكلتي ..
أين اختفت الأضواء ؟ من الذي سرق الهواء النظيف ؟ والماء الزلال ؟ والبيوت المبتسمة والشبابيك المليئة بالأحلام ؟ ... كان وحيدا ً ، وصغيرا ً أمام قوة ضخمة تصر على إتلاف كل ما تبقى منه ومن حياته . وقف هناك أمام أبي الخير ، الألم يحرق أطرافه ، ويمزق أعضاءه ، لم يتبق له أي شيء الآن .. كان بلا هوية ، لم يكن يذكر اسمه ، لم يعد يعرف الطريق إلى بيته ... لم يكن حيا ً ولا ميتا ً ، ولم تكن له رغبات سوى رغبة واحدة ، أن يحصل على الحقنة . لكن أبو الخير لن يمنحه واحدة اليوم.
اجتاحته موجة إنكسار ، وشعر أنه ضئيل وصغير ، في بطن عالم متوحش سلبه الحياة والإنسانية . لم يعد له أيّ شيء في هذا المكان ، لم يعد يشعر بأن بداخله روحا ً تخفق . لم يعد في صدره سوى فراغا موحشا وأسود ، كان جثة محشوة بالبؤس ، وبشظايا حياته المدمرة ، أنفاسه لزجة ، حلقه تستوطنه الطحالب والعوالق المميتة ، تمتص كل ذرة نظيفة تحاول أن تدخل لصدره أو تمنحه بعض الأمل .
نظر إلى شارع طويل ، لم يكن له نهاية .. كان يبدو مثل بئر سحيق يمتد حتى الظلمات المنسية ، بلا قرار . من دخل هذا الشارع فهو ملعون ، ضائع .. مفقود حتى آخر رمق فيه . سار بلا وجهة .. سار طويلا ً وعبر الأزقة والحارات ، كان غارقا في وحله حتى العمق . كان يشعر بالنهاية القاسية تتصاعد إلى رأسه ، لقد بدأت أجزاؤه بالتساقط .. واحدة تلو الأخرى ، وهو يسير ... ولا يرى ، ولا يفكر ، لقد ترك مصيره النهائي للعتمة العمياء .
" سأودع هذا العالم ، سأختار العدم الذي لن يذكرني ، والذي يغيبني حتى الأبد ، لقد متّ منذ وقت طويل ... لكنني لم أدرك هذا سوى الآن ، وفي هذا العالم ، أنا لست سوى جرثومة تتغذى على فضلاته ، وتلحق الأذى بالأشياء الجميلة " . لقد بدت لحظة النهاية جلية في عقله ، وشعر أنه توصل لأول مرة منذ فترة طويلة إلى قرار سليم وحقيقي .. سينهي حياته ، سيحرر الآخرين من وجوده المؤذي ، سيحرر نفسه من الألم الفظيع ، ولن يكون بحاجة أي أحد بعد الآن .. سيخرج من بطن هذا الوحش ، ولن يكون هناك المزيد من أمثال أبي الخير يستعبدونه ويستغلونه .
كانت فكرة لامعة ، شعر بقوة مخيفة تناديه نحو الموت .. ركض بجنون ، نحو جسر المدينة ، ركض وركض وركض .. وشعر أنه سعيد كما لم يكن أبدا خلال فترة طويلة ، كان يقرر ... لقد قرر أخيرا ً أن يكون حرّا ً ، وأنه لن يحتاج أية حقن بعد اليوم ...
وقف على حافة الجسر ، كان ينظر للعالم مرة أخيرة . الأشجارُ ، الأضواءُ ، السياراتُ ، الناس الطيبون ، الروائح الزكية ، ضحكات طاهرة .. كلها أشياء بدت مختلفة وجميلة ، أشياء لم يرها سابقا ً . كان ينظر للحياة ، شعر أنها تحاول أن تقول شيئا ما .. لكنه لم يكن يفهمها ، لم يكن يسمعها .. شعر بحزن ثقيل ، ثقيل ... يجذبه نحو القاع ، يجذبه بقوة . كان طائرا صغيرا وجريحا ً في سماء واسعة .. لمعت في عينيه دمعة دافئة ... نزلت على خده الغائر ، تذكر لمسة أمه التي مسحت هذه الدمعة كثيرا ً . الآن يتذكر .. ويعرف ، لكنها لحظة الموْت التي لا يستطيع الفكاك منها . شعر أنه يتباطأ ... وأن الحياة تحايله مجددا ً ، لابد من إنهاء الأمر سريعا ً . " هذا العالم ليس لي .. " . أغمض عينيه ، ثم قفز .
لكنه لم يمت ْ يومها . استيقظ على صوت أمه ِ ، في المستشفى ... ولم يصدق ، أو لم يفهم .. إصرارَ الحياة على أن تبقيه هنا . شعر بالكآبة واليأس . لم ينجح في أي شيء حتى في محاولته لأن يموت ! . العالم بالنسبة له مكان مخيف ، لا يريد أن يبقى فيه ، كان يحلم بالكوابيس والحقن وأبي الخير والأزقة التي تشبه القبور . وكان يبكي بحرقة وينتفض من الألم والخوف ، كلما تذكر حياته القديمة .
لكنّ الأمل والحلم ، يتسللان إلى أي قلبٍ عرف طعم الحياة . كانت الأيام الطويلة التي قضاها في العلاج قاسية وشاقة ، لكنه شعر بالأمان ،والإنتماء هناك ، حيث كان محاطا بالعناية والإهتمام . كان كل ما حوله يكتسب لونا ً ومعنى ، كان مكانا نظيفا ً وهادئاً ، ومليئا ً بالناس اللطفاء . وبدأ قلبه يستعيد اللون الوردي ، وبدأت روحه تتحرك في أجزائه . لقد كان يتألم أحيانا ً ، ويكتئب أحيانا ً أخرى .. لكنه كان يبتسم أيضاَ ، ويتذكر ويتعرف على أشياء جديدة . شعر بأنه حيّ ... وكان لهذا الإدراك أثرا ً عميقا ً في نفسه .
تعبره الذكريات ، الآن هو شخص آخر . شخص جديد ، ذاته صفحة بيضاء ، عليه أن يملأها ويسد فراغاتها ، عليه أن يجد هويته ، وعليه أن يجد مكانا ً واضحا ً ونظيفا ً ويلتصق فيه بقوة ٍ وإرادة . عندما خرج من المستشفى .. شعر بالكأبة والخوف حينما واجه العالم الكبير . عندما شاهد الملامح القديمة ، الذي تذكره بأشياء كثيرة لا يرغبها . كان في داخله مرعوبا ً وضعيفا ً . ولم يكن هذا العالم الواسع آمنا ً بالنسبة له . لذلك قرر والداه أن ينتقلا بعيدا ً إلى بلد ٍ آخر ، صغير وهادىء .. حيث يمكن له أن يستعيد عافية روحه ، ويكبر الإنسان فيه قويا ً وصالحا ً ، حيث يمكن أن يغذي بذرة صالحة في قلبه ِ .قلبه ُ الذي انطفأ فيه النهار ذات يوم ، لكنه الآن عاد وأشرق ..

الأربعاء، 21 أبريل 2010

معية الله في الآيتين


مَعِيَّةُ الله في الآيتين



في قوله تعالى : ( فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61 ) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)) (الشعراء)


وقوله سبحانه : ( إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا ) (40 التوبة )


قرأت موضوعاً لأحد الأخوة على الشبكة العالمية تناول هذا الموضوع فجال في خاطري أنه لم يوضح المشهدين كما يجب ، فارتأيت أن أتناول هذا الموضوع من وجهة نظري مستعينا بكتاب الجامع لأسماء الله الحسنى للأمامين بن القيم والقرطبي وكذلك كتاب التفسير فتح القدير للشوكاني فأقول وبالله التوفيق : إن قول أصحاب نبي الله موسى عليه السلام :(فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ) ، كأنهم أرادوا أن يقولوا له قدتنا الى الهلاك الحتمي بإخراجك إيانا من مصر ، فجاء الزجر والردع لهم بأداة الزجركلا ففي قوله سبحانه على لسان موسى عليه السلام (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ) سيدنا موسى عليه السلام أراد أن يذكرهم أنه يخرجهم من مصر ويقودهم الى الأرض المقدسة ليس بأمره بل بأمر من الرب تبارك وتعالى فاستخدم اسم الله عز وجل " الرب " الذي يعني المالك المتصرف في ملكه والسيد المطاع والمربي الذي يسوس مربوبه كيفما وكما شاء ، وحسب فهمي للموقف ولأن الترائي قد حصل (بخلاف المشهد في غار ثور) أي أن موسى عليه السلام وقومه قد رأوا جيوش فرعون المهولة وبالمقابل فأن فرعون وجنوده قد رأوا موسى وقومه فعلم يقيناً النبي موسى أن النصر من الله تعالى قد حان أوانه فساعة الحسم قد دقت ، وأن الله تبارك وتعالى سيرشده ويهديه الى طريق النجاة وقد كان كذلك .


أما قوله تعالى على لسان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم (إن الله معنا) يعني أن الله سبحانه وتعالى معه وصاحبه بسمعه وبصره وقدرته وعونه وتأييده ، فلفظ الجلالة " الله " تضاف اليه الأسماء الحسنى
فنقول أن الرحيم والعزيز والقدير والعليم والغفار والقهار والباسط والقابض من أسماء الله ، ولا يقال الله من أسماء الرحمن، قال الله تعالى (وَلله الأَسْمَاء الْحُسْنَى ) (الاعراف180)


وهنا أتفق مع الأخ الذي ذكرت أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد بـ (إن الله معنا) أن يطمئن أبا بكر رضي الله عنه لأن أبا بكر كان ايمانه بالله عميقاً ويعرف الله تعالى (الذي تضاف إليه كل الأسماء الحسنى) حق المعرفة ولكن هنا أود أن أشير الى حقيقة أن أبا بكر كان يطمع أن يكون صاحبا للرسول صلى الله عليه وسلم في الهجرة ،فلا يمكن أن يستقيم المعنى أن يعترض أبو بكر على الرسول ويلومه لاصطحابه كما فعل أصحاب موسى عليه السلام ،وهذا أيضا وجه اختلاف بين المشهدين .
وهنا علينا أن ننتبه أنه لا يجوز أن ننتقص من قدر أصحاب موسى عليه السلام  كما فعل ألأخ المذكور، ففي الحديث أن كل نبي له حواريون أو أصحاب ساروا على دربه ، وموسى عليه السلام ليس استثناءً، فثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من نبي بعثه الله في أمته قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل.


اذن لا يجوز الإنتقاص من أصحاب موسى عليه السلام. فالذي نعرفه أن كفة إيمان أبي بكر ترجح كفة إيمان الأمة ولكن هل هذا ينقص من قدر إيمان عمر  أو علي أو عثمان رضي الله عنهم جميعاً ؟ لا  قطعا ً.

ماهر قرواني 

الاثنين، 19 أبريل 2010

الصفوف الإفتراضية

الصف الأفتراضي هو تقنية برمجية إلكترونية حديثة توفر بيئة تفاعلية تحاكي الصف التقليدي من حيث توفر لوح افتراضي تعرض عليه المادة العلمية من خلال الشرائح ، وميكروفون لإجراء النقاش ونافذة للمحادثة الكتابية ، وتبادل الملفات بشتى أنواعها ، وتوفر أيضا آلية للتجوال من خلال الصف الى الشبكة العالمية .
ومن الشركات العالمية التي توفر هذه التقنية شركة الالومينيت Elluminate ورابط الشركة هو www.elluminate.com وتكمن أهمية الصفوف الإفتراضية للمدرس وللدارس في أنها توفر للمدرس فرصة تقديم المادة العلمية على أفضل وجه وذلك لتعدد وتنوع الوسائل والوسائط التي يستطيع استخدامها وهي :


1- إن المدرس يستطيع أن يعرض المادة العلمية باستخدام شرائح البوربوينت مباشرة على اللوحة البيضاء


2- يستطيع المدرس أن يرسل للطلبة ملفات معينة من أي نوع مساندة أو مكملة للشرح .


3- يستطيع المدرس الاستعانة بالوسائط لشرح مادة معينة بالصوت والصورة ، مما يساعد الطلبة ويشوقهم ويولد لديهم الدافعية للتعلم .


4- يستطيع المدرس الاستعانة بمواقع على الشبكة فيذهب إليها مباشرة من الصف لتوضيح قضية معينة للطلبة أو لإرشادهم لموقع ما أو مكتبة أو لأي سبب آخر ، وهذا يؤدي بدوره إلى توسيع مدارك الطلبة وإثراء معارفهم .


5- إن هذه التقنية تمكن المدرس من أجراء الامتحان القصير وذلك للحصول بسهولة على تغذية راجعة فورية .


6- أن هذه التقنية تبين أن دور المدرس أصبح مختلفا نوعا ما عن دوره في الصف التقليدي وقد يكون أصعب في بعض الأحيان، فقد أصبح دور المعلم هنا إرشاديا ومتابعة وتوضيحا أكثر منه تلقينا.


إن التعلم الالكتروني لا يعني بحال غياب أو ضعف دور المدرس بل قد يزيد من أهميته لكن مع اختلاف في المهمات والوسائل. ولذلك يجب أن يكون المدرس الافتراضي أكثر تفاعلا ومرونة وانفتاحا على التقنيات التعليمية الحديثة .


أما بالنسبة للدارس فأن هذه التقنية توفر له ما لا يستطيع الصف التقليدي توفيره من إمكانيات وميزات، ونستطيع ايجازها فيما يلي :


1- توفر هذه التقنية للطالب المادة العلمية بشكل متنوع من حيث الوسائل والوسائط .


2- يستطيع الطالب الحصول على المادة في أي وقت يشاء وهو ليس ملزم بوقت المحاضرة


3- توفر للطالب بيئة تفاعلية تمكنه من عرض أفكاره وآراءه بيسر دون حرج أو خجل،بل على العكس يشعر الطالب في الصف الافتراضي بأنه أكثر نشاطا وأبداعا فهو يستطيع أن يواجه المسائل بجرأة وأكثر شجاعة مما يجعله يفكر بشكل خلاق للوصول الى الحلول .


4- أن استخدام الطالب للصفوف الافتراضية تجعل من الطالب أكثر مرونة وتفاعلا مع التقنيات التعلمية الحديثة ليكون بالفعل رجل المستقبل .


5- إن هذه التقنية توفر للطالب طريقة تعلم قد تكون أقل كلفة من التقليدية لكنها أكثر متعة وتشويقا .


6- إن هذه التقنية تمكن الطالب من دخول الصف الافتراضي من أي موقع يتوفر فيه جهاز حاسوب وانترنيت .


7- إن هذه التقنية توفر للطالب الحصول على التغذية الراجعة بشكل فوري مما يؤدي إلى تعزيز وإثراء العملية التعليمية.


8- أن هذه التقنية توفر للطالب الإمكانية للقيام بنشاطاته مباشرة في الصف (أي تزامنية ) أو فيما بعد وذلك بإرسال الملفات التي يكلف بها من قبل المدرس .


إن العالم المتطور اليوم قد تجاوز الحديث عن ميزات التعليم الافتراضي بل أصبح الجدل دائرا حول طرحه كبديل عن التعليم التقليدي ولهذا فيجب علينا كمدرسين وكطلبة أن نسارع لتعلم وإتقان هذه التقنية ومن لم يفعل فسيجد نفسه قد تخلف عن الركب .


والجدير بالذكر أن الجامعات الفلسطينية تستخدم هذا الأسلوب في التعليم وخاصة جامعة القدس المفتوحة التي قطعت شوطاً كبيراً في هذا المجال كما جامعة بولتكنيك فلسطين .


ماهر قرواني

لماذا نأكل الطعام



يحتاج الإنسان إلى تناول الطعام لأداء وظيفتين مختلفتين هما:
الوظيفة الأولى : هي إمداد الجسم بالمواد التي يتم بواسطتها بناء مختلف أجزاء الجسم أو إصلاح ما يبلى منها، وأهم الأطعمة التي على الإنسان أن يتناولها حتى يتحقق هذا الهدف هي المواد التي تحوي على البروتينات.
الوظيفة الثانية : هي لإمداد الجسم بالطاقة ، إذ أن معظم الطعام الذي يستعمل كوقود، يتم حرقه في الأنسجة، وتمد هذه العملية عضلاتنا بالطاقة، فالجسم في حاجة إلى الطاقة ليقوم بجميع وظائفه.
والمصدر الرئيسي لهذا الوقود اللازم لأجسادنا هو المواد الكربوهيدراتية, والدهون في طعامنا. وخلاصة القول أن الإنسان لا يستطيع الحياة بدون الطعام وإذا لم يداوم عليه يموت ، وهذا من الحاجات العضوية التي لا يتصور أن يحيا الإنسان بدونها .


وهنا نودُ أن نقول أن من أسماء الله الحسنى البديع ، فقد أبدع سبحانه في صنع الكون والإنسان وأبدع ربنا تبارك وتعالى في إثبات بشرية عيسى عليه السلام حين قال في كتابه العزيز :
( مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُون) - (آية 75 من سورة المائدة)


بدأ الله عز وجل هذه الآية بتقرير حقيقة أن المسيح عليه السلام رسول كباقي الرسل جاء بأمور خارقة للعادة بأذن الله  ، فزعم النصارى من بعده أنه اله وأخذوا يدللون على ذلك بمعجزات مثل إحياء الموتى ومعالجة المرضى وغيرها من المعجزات التي منحها له الله عز وجل لتأييد نبوته ولكن لم يزعم النصارى مثلاً بإلوهية موسى عليه السلام على الرغم من أنه كان مؤيداً من الله عز وجل بآيات عظام ، أو سيدنا سليمان عليه السلام الذي كان مسخراً له الطير والريح والجن .
 ثم أتبع ذلك بالإشارة الى أم المسيح مريم عليهما السلام بقوله تعالى (وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ) أي أنها كانت امرأة تقية صالحة  قانتة لربها ومصدقة بآيات ربها،ثم قال سبحانه


(كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ ) فما المقصود بذلك ؟
نفهم من هذه الآية أن من يأكل الطعام لبناء خلايا جسمه ولإصلاح ما يتلف منها هالك لا محالة بعد مدة من الزمن . كما أننا نستطيع أن نستنتج من هذه الآية الكريمة أن الذي يحتاج الى الطعام للقيام بوظائفه الحيوية والفيزيائية كائن محتاج ضعيف ولا يمكن أن يكون الهاً .
فقوله سبحانه وتعالى (كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ ) انما هو تقرير وتأكيد للحقيقة السابقة أن عيسى عليه السلام إنسانٌ .

ثم يقول ربنا تبارك وتعالى  (انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُون)  أي كيف يبين لهم الأدلة على بشرية المسيح عليه السلام وكما يقول الشوكاني رحمه الله " فيه تعجيب من حال النصارى الذين يجعلون تلك الاوصاف مستلزمة للإلوهية ويغفلون عن كونها موجودة في من لا يقولون بأنه اله " ثم كرر (أنظر) لشدة التعجب من حال هؤلاء لإنصرافهم وبعدهم عن الحق بعد ما تبين لهم من الأدلة .




ماهر قرواني



السبت، 17 أبريل 2010

وأغمضت القبة عينيها


كنت أراقبُ السماءَ طويلاً ، أراقب الغيمات السائحة .. بعضُ الغيمات تمر خفيفة ، تلقي بظلها الهادئ على كرمة هانئة ، تبتسمُ .. ثم تمضي .. بعضُ الغيماتِ تمرّ كئيبة ، مثقلةٍ بحبّـاتِ الحزن ، تتكىء على وجعها ، فيسيل دمعها غزيراً ورطباً .. فيغسلُ كلّ منافذ الألم .. ويحيي جفاف القلب والرّوح والأرض .. وبعض الغيوم .. تحمل معها الرياح وزخم العاصفة ، تقلب الأشياء .. وتتركُ هوةً في الرّوح لا تلتئم .

كنتُ أراقب غيمات العمر .. غيمةٌ واحدةٌ فقط أصابت العمر فانشطر ، غيمة واحدة رمادية تركت حريقاً في شقوقِ القلبِ ، غيمةٌ ولا تزال ماثلةً كأولِ يومٍ قاتمة كآذان الشؤم . ولا زالت تهبطُ عليّ نجواهم ، كلما أسبلتُ جفنيّ ...

مريم
لا زلتُ أستحضر كل ما حدث، تتوالى في مخيلتي الصور ، وتتردد في مسمعي الأصوات ، وتغص رئتي برائحة الأحداث والأماكن والأشخاص ، وأتذكرني وأنا طفلةٌ صغيرة ، كان كل ما حولي يدور بسرعة حاسمة ، وكنت أصغر من أن أدرك ما يحدث ، لكني علمتُ أن لا شيء سيعود كما كان ... حينَ سمعنا خبر هزيمة القوات العربية ، وأن استيلاء اليهود على مدينة القدس أمرٌ حتمي .

وتناقلَ الأهالي الشائعات عن الدماءِ التي تراق في الطرقات ، واليهود الذين لن يتركوا أحياءً في مدينة القدس ، ويحولونها إلى مقبرةٍ ويهدمون البيوت فوق ساكنيها . في ذلك اليوم ، كان البشرُ يتدافعون عبر طرقات المدينة المقدسة ، بأمتعتهم وأشيائهم ، يتركون بيوتهم فزعين ، بعض الجيران تركوا بيوتهم مفتوحةً ، لم يحملوا متاعاً أو غرضاً ، بعضُ الجيران ائتمنوا أبي على مفاتيحهم وأموالهم . جماعاتٍ يهرعون نحوَ الشاحنات ، وأية وسائل نقل متاحة آنذاك، فراراً من الموت نحوَ مصيرٍ مجهول .

وقال أبي لأمي : " اجمعي أغراضكم يا فاطمة ، وخذي البنات وارحلي مع أخيك ، سأبقى هنا أنا ويحيى نحرسُ البيت ، فالبيوت تموتُ إن لم تؤنسها روح .." ، فتسكت أمي ، وتطأطئ رأسها ، لم تكن قادرةً على أن تترك الحجّ ، والبيت ، والقدس ، وابنها الوحيد يحيى ، لكنها كانت خائفة علينا – ثلاثُ فتياتٍ . كان القرارُ صعباً على الجميع ، ومع الأخبار التي تصلُ عن التنكيل والتعذيب والموت الذي نالَ من تبقى في المدينة ، قررت أمي إرسالنا – أنا وزهرة وسروة – مع خالي ذيب .. نحوَ الضفة الشرقية ، ريثما تهدأ الأمور .

كان فجراً واجماً .. سرنا نحنُ الأربعة في زقاقٍ ناءٍ .. تاركين خلفنا القدس ، بدت كأمٍ ثكلى .. تنتحبُ بنشيجٍ مكتوم أبناءها الضائعين .. كانت شاحبةًوجميلة ، كعابدة صلبوا قدميها في وحلٍ أحمر ، لكنّ أكفها كانت تتجهُ نحو السماء صافية ونقية .
رأيتُ قبة الصخرة ، والجنود يقتحمون ساحتها الطاهرة .. فغشتها سحابة مغبرة ، وأظلمت قبتها الذهبية .. فانقبض قلبي ، وشعرتُ أن للدمع ملحٌ حارق ينخرُ خدّي ، وكان هذا آخر ما بدا من القدس .. ثم أخذت تختفي وراء الجبال شيئاً فشيئاً .. فينحدر معها النبض وتغيب الرّوح، ولا تبقى سوى الظلال الشاحبة ، وعويلُ الأحزان .

لا أتذكر كم سرنا ، لا أتذكر سوى الصمت المخيم على الرّوح ، والصدع الذي لم يهدأ أنينهُ ونزيفهُ ، وآلاف الأسئلةِ التي تصطدمُ بحائط الغيب وترتد حائرة ومفجعة . لم يأكل أحدنا شيئا، لم نشعر بالعطش ، بقدر ما شعرنا بالولع والحريق الذي ألهب ستائر القلب . كنتُ لا أكفّ عن التفكير بكل ما جرى ، بأمي اليائسة ، بأبي – الرّجل الذي بدا أكثر هدوءاً ويقيناً من أي وقت مضى ، بيحيى ... الذي ودعنا ثم توجه نحو المسجد ، لم يلتفت إلى أمي التي حاولت منعه ورجته ، لكنه بدا واثقاً ، لم يقل سوى " نراكم قريباً بإذن الله " .. ثم ذهب .

ترى .. ماذا يفعلون الآن ؟
ربما أمي تطرز ثوبي ، وأبي يدخن غليونه ويسافر في مجرات دخانهِ المنبعثة بكسل ، أما يحيى يتلو الآيات بصوتهِ الجميل ، وجميعهم يفكرون بنا ، قلقون علينا ..آه لو يعلمون فقط أننا بخير ، غير أنّ القلبَ تائه . 

على الطريق صادفتنا شاحنة ، وبعد نقاشٍ طويل مع السائق ، قـَبِل أن يوصلنا إلى الضفة الشرقية مقابل أساور وليرة ذهب .. ركبنا ، وأخذني نومٌ عميق ..

زهرة

... كانت السماء تركضُ في الاتجاهِ الآخر ، وهدير المحرك يضغط على أنفاسي .. غطّ الجميع في نومٍ مثقل ، أما أنا .. فقد حملني قلبي إلى يحيى ، وكان نبضي يتخاطفُ حيناً ، ويتقطع حيناً آخر .. لمَ ذهب إلى المسجد ؟ وكان يدرك أن الجنود سيقتحمونه . لِمَ لمْ يسمع رجاءَ أمي ، لمَ ..
ترى ماذا حلّ بهم الآن ؟ ، عشرات الشباب الذين اختاروا أن يرابطوا في تلك البقعة الطاهرة ، أعرف يا يحيى أنك مستعد لأن تهبَ حياتك فداءً للقدس ، أعلمُ أنّك ستدافع حتى آخر رمقٍ ولن تزعزع قدميكَ قيد أنملة . أعلم أنك ستقف بثباتٍ وصمود وتصميم .. وعندما ذهبتَ ، وغاب عن ناظري وجهك الصبوح ، انتابني شعورٌ غامض – فهل علمتُ أنّك لن تعود ؟ ..

لقد رأيت عندما أغمضت القبة عينيها ، وغطت جبينها الذهبي بوشاحٍ أسود .. لقد رأيتهم وهم يستبيحون ساحتها الطاهرة ، وسمعت دويّ العيارات النارية والانفجارات ... وكان الألم يدوي في قلبي ، ويمزق أوردتي ، وأنا أخشى .. أخشى ، أنّ جسدك الطاهر لن يحتمل هذا الكمّ من الرصاص .
ربما أنت الآن بجوارِ نجمةٍ أو كوكب ، ربما تصاعدت روحك النقية إلى السماواتِ سحابةً بيضاء أو طيراً خفوق . ربما أنت في مكان ما هنا أو هناك .. لكنك حيٌّ حتماً أينما كنت .

سروة

في أحد مخيمات الضفة الشرقية ، يدرك الإنسانُ أن بعضَ الموتِ أرحم . المأسـاة كانت أكبر وأشد من أن نتحملها فرادى ، وكانَ لابدّ من الاستمرارِ معاً ، حتى لا تنفرط حبّات القلب ، وينقطع حبلُ الحياة الرقيق . كان وقع الأمر أشد على مريم الصغيرة ، كانت تفتقدُ أمّـي وأبي ، الدفء والأمان . أصبحَ نومها متقطعاً ، تتخلله كوابيسٌ عن الجنود الذين يقتحمون كلّ شيء ويسرقون الأطفال .. وكانت تلتزم الصمت أثناءَ النهار ، ولا تتناولُ طعاماً أو شراباً سوى رشفاتٍ قليلة من الماء .
أما زهرة فقد انتابتها حمّى شديدة ، بعد يومين من وصولنا للمخيم ، كانت تهذي عن يحيى ، وكيف أنها رأت جسده قد تناثر نوراً ، وتحول إلى فراشات ترفرفُ فوق قبة المسجد .. وكيف أنّ أمّـي كانت تلوح له بشالها الأبيض ، وتدعو الله أن يحفظهُ سالماً ومعافى . وكيفَ أنها رأت أبي يرسمُ لها طريق البيت ، ويدعوها للعودة . وأنها عازمة أن تعودَ في الصّبـاح .. وتلحقَ بيحيى ..
كنتُ أسهر حتى الفجر ، أسمع هذيانها المنهمر كشلالٍ ، أضع القماش المبلل فوقَ قدميها ، واقرأ عند رأسها الأدعية والآيات .
أما خالي ، فقد كان حملهُ ثقيلاً ، كنا ثلاثتنا أرواحاً معلقة في رقبتهِ ، وكان يمضي النهار يبحث عن ما نعتاشُ بهِ . كان يحاول أن يجدَ مخرجاً ما ، أو وضعاً أفضل من خيمتنا الصغيرة ، وكان كل يومٍ يمضي .. يزداد الحال سوءاً ، وقد كنتُ قلقةً عليه .. وعلينا ، خائفة من أن يتداعى هذا الجبلُ أمامَ موجِ الغربة ، فنغرقُ جميعاً ..

بعد مدّة ، سمعنا أخباراً جيدة عن القدس ، وعن أن بعضَ السكان تمكنوا من العودة إلى بيوتهم، لكننا لم نسمعَ أي شيء عن بيت الحاج أبي يحيى كنعان ، لم نسمعَ أية أخبارٍ عن ابنهِ أو زوجتهِ ، لم نعرف ماذا حلّ بمن تبقى في القدس .. كانت هناك آمالاً بالعودة ، وأحاسيسَ أخرى قاتمة ، وموجعة ..
وكان خالي عازماً على أن نعود في أقربِ فرصة ، لأنه لا شفاءَ للقلبِ إلا في أرضهِ .. ولا ارتواءَ للروحِ إلا من ماءِ بلادها . كان حديثهُ عن العودة يطيب نفسَ زهرة ، ويدفعُ مريم للابتسام ، وأصبحت تتحدثُ عن أحلامٍ جميلة ، وبدا أن كوابيسها بدت تغيبُ وتختفي ..
أما أنا ، فقد كانت القدس في قلبي أقربُ من أي شيء .. وكنت أشم رائحة أبي ، وأسمعُ شكوى أمي ، وأتحسسُ جدران البيت في قلبي ، كنتُ أشعرُ في صميمي أننا سنعودُ قريباً ..
بيدَ أنني أشعر أن ثمةَ شيء غائب ، وأن الموجة التي انقضت على حياتنا ، لن تتركَ كل شيء كما كان .. وإن انحسرت .

ذيب عودة

استطعتُ تدبير طريقٍ آمن للعودة ، وعدنا ..
كانت حدّة الحمى في القلبِ تهدأ كلما ظهرت القدس من بعيد ، وتشرق الفرحة على الوجوه الشاحبة ، لقد أعيانا البعد جميعاً .. والآن ، ها هو ذات الطريق الذي عبرناه خائفين وهاربين ، نسلكهُ بثقة وإصرار .. وإن كان موتاً فليكن ، فقد كانت الغربة أدهى وأمرّ ..
عبرنا دروباً وعرة ، وزقاقاً ضيقة ، حتى نصل نحو الممر المؤدي إلى بيت الحاج كنعان ، كنتُ أرى خفقان القلوب المتعبة بريقاً في عيونهن كلما اقتربنا أكثر .. كلما تعرّفت الروح على الرائحة القديمة ، كلما أيقـنّا أننا في المدينة المقدسة ، وفي الاتجاه الصحيح ، هذهِ هي الجدران، هذا هو الطريق .. هذهِ البيوتُ كلها ، موجودة منذ أن فتح القلب جفنيه على هذه المدينة ، كل ما فيها يشيرُ إلينا ، إلى الحياةِ التي كانت هنا ... يوماً .
لكنّ الهواءَ كانت تفوحُ فيهِ رائحةٌ غريبة ، رائحة كالغرباء ...

الحاج أبو يحيى

لم أستطع أن أقول لها في اليومِ الأول ..
كم كان شجاعاً ، كيف أنهم قتلوه ، ثم نكلوا بجسدهِ وسحبوهُ من ساحةِ المسجد حتى باب العامود ، كيفَ أن دماءه الزكية فاحت بالمسك والزعفران ، واختلطت بترابِ الأرض المقدس، وتلونت بحمرتها النقية جدرانُ القدس .
كيف أنني خبأتُ قميصهُ في صندوقي القديم ثم احتضنته طوال الليل ، وكتمتُ نزفَ دمي في شريان القلب ، وأغلقتُ على نفسي الغرفة حتّى أبكيهِ قبل الجميع .
كيفَ أنني تمنيتُ لو أرسلته مع أخواتهِ وخالهِ نحوَ الضفةِ الشرقية ، ثم استغفرتُ ربّي ، عندما أتاني في المنامِ وقال لا تجزع يا أبي ، فقد كنّا رجالاً .
وعندما عـَرَفـَتْ بعد يومين من أحد الجيران ، ابتسمت ولم تصدق ، ثم قضت ليلةً في البكاءِ المرير ، ثم حطمت كل قوارير الزرعِ والأواني الخزفية ، ثم التجأت للصلاة والدعاءِ .. ولم تقل لي شيئاً أيضاً .. ولرُبّما رأتهُ في المنام وأوصاها بأن لا تجزع ، ولـرُبّما .. أخبرها أشياء أخرى ، فقد هدأت ، ورأيتُ علامةَ الرضا في عينيها ..
وبدت الأشياء عادية ، لكنها لم تعد كما كانت .. استوطنَ القدس غرباء ، كثيرون ممن رحلوا لم يعودوا .. ولمْ يعد أحد من السفرِ سالماً . كل قلبٍ حمل خسارتهُ المرّة . غيرَ أني كلما توجهتُ للصلاة ، كنت أشعر خطواتهِ تنبضُ في عروق المكان ، وأن لا دماً يغيض هدراً فوق هذه الأرض ، وكانت القبة ذهبية رغم الأسى .. وكلّ ما فيها يشير إلينا رغم كلّ شيء.

بقلم : a.qarawani
::

الجمعة، 16 أبريل 2010

تأثير التكنولوجيا على القيم

ان تطور التكنولوجيا الهائل في السنوات الأخيرة احدث طفرة قيمية في المجتمعات العالمية شئنا ذلك أم لم نشأ . فقد غدت الشبكة العالمية مصدرا أساسيا للمعلومات ، فيكفيك دقائق معدودة لجمع المعلومات والتعرف على أي موضوع يخطر ببالك عبر التجول في المواقع والمكتبات الإلكترونية .
وبهذا أصبحت الضوابط والقيود على المعلومات أكثر هشاشة سواء كانت على المستوى العائلي أو على المستوى المجتمعي وبالتالي أصبحت التكنولوجيا سيفا ذا حدين مسلطا على رقاب الآباء والأمهات ، فمن جهة لا يستطيع الإنسان اليوم أن يكون مواكبا للتطور العلمي والتقني دون استخدام الشبكة العنكبوتية ، ومن جهة أخرى لا نستطيع ترك أطفالنا لقمة سائغة لأعداء الخير الذين يسخرون هذا الإنجاز والفتح العلمي العظيم للبشرية لتحقيق أهدافهم الربحية الجشعة على حساب المبادىء الأخلاقية للأمم ، فجعلوا من التكنولوجيا شبحا غير أخلاقي.

فهل المشكلة في كيفية استخدام التكنولوجيا أم في التكنولوجيا نفسها ؟ .

للإجابة على هذا التساؤل يحضرني قول الوزير الاسبق لروسيا (كوزيروف) في رده على سؤال هل السياسة قذرة ؟ فقال السياسة لا يمكن أن تكون قذرة بل السياسيون هم الذين يجعلونها قذرة أو نبيلة .
وهنا مع الفارق في التشبيه فالتكنولوجيا يمكن أن تكون أداة نبيلة فعالة لتحقيق أهداف تربوية وخلقية قيمة أن أراد القائمون عليها ذلك .
لكن وفي ظل هذه الأزمة الخلقية التي يعاني منها جميع الأمم أصبحت أمتنا الإسلامية تعاني من انفصام في الهوية الثقافية - فهي من جهة لا تلتزم بالقيم الاسلامية في جميع مناحي الحياة ،ومن جهة أخرى فالأمة لم تنسلخ من الدين كما انسلخت الأمم السابقة ولهذا بقيت الأمانة التي حملتها معلقة بعنقها .
فمن متطلبات القيام بالأمانة يتوجب علينا نحن الآباء والأمهات زرع المفاهيم والقيم الإسلامية في عقول وأذهان أولادنا وبناتنا فكرة وسلوكا ، فالفكرة إن لم تتحد مع التطبيق أو السلوك تبقى فكرة خيالية صماء وكذلك السلوك إن لم ينبع عن فكرة واضحة متأصلة في الأمة ، يبقى تطبيقا أعمى ، وهنا يحضرني قول الله تبارك وتعالى على لسان نبي الله يوسف عليه السلام :

(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ)-(سورة يوسف 108).

أنا أعرف أن هذا ليس سهلاً لأن عملية البناء شاقة وطويلة وعملية الهدم والتخريب سهلة ومُوَفر لها كل الطاقات والأدوات والوسائل ، لكن على الرغم من ذلك تبقى الأمانة التي حملها أبونا آدم عليه السلام حافزاً لنا على السير على طريق الهدى الذي خطه سيدُ ولد آدم محمد صلوات ربي وسلاماته عليه وعلى آله وأصحابه الأخيار.
إنك لا تستطيع أن تراقب كل حركة وسكنة لأولادك في البيت وفي المدرسة وفي الشارع، فأنت في النهاية رجل عليك مهمات في العمل يجب القيام بها لتوفير احتياجات العائلة ،والمطلوب ليس ذلك لأنه فوق طاقتك، بل عليك بداية أن تغرس فيهم مبادىء الخير وقواعد لضبط السلوك والتصرفات ، أن تكون مراقبا لهم ومرشدا لطريق الهدى  .
وخلاصة القول إن الحل لجسر الهوة القيمية التي أحدثتها التكنولوجيا ليس بتغييب التكنولوجيا نفسها بل يكمن الحل في تطويع هذه التكنولوجيا لخدمة أهدافنا نحن ،باستخدامها في تربية وتعليم الأبناء ،وتثقيفهم وتعليمهم التمييز بين الحلال والحرام الذي علمنا اياه ربنا تبارك وتعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم .








ماهر قرواني

ضرب الأمثال في القرآن


استخدم الله تبارك وتعالى ضرب الأمثال في كتابه المجيد في كثير من الايات ، فالأمثال القرآنية جاءت لتقريب المعاني للعقول وتوضيحها ليزداد الناس فهما وعبرة ، وللأمثال القرآنية أهداف بليغة متنوعة فتارة للترغيب في شيء ما وتارة للتقريع والتخويف من فعل آخر .
والان نحن بصدد مثل ضربه الله سبحانه وتعالى لنصارى نجران حين قدموا الى المصطفى صلى الله عليه وسلم يسألونه عن قوله في المسيح عليه السلام وهذا المثل سيبقى خالداً وناقوسا يدق في أذن من لا يريد أن يقتنع في كيفية خلق المسيح عليه السلام كبشر ،ولنفي صفة الالوهية عنه عليه السلام ففي سورة عمران يقول الله سبحانه وتعالى :

﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾-( آل عمران: 59)


يقول الشوكاني رحمه الله في كتابه " فتح القدير " في معرض تفسيره لهذه الاية :
شبه عيسى بآدم في كونه مخلوقا من غير أب كآدم ، ولا يقدح في التشبيه اشتمال المشبه به ( آدم ) على زيادة وهو كونه لا أمَ له ولا أب ، وإن كان المشبه به أشد غرابة من المشبه(عيسى) وأعظم عجبا وأغرب أسلوبا .
وقوله تعالى (خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ) جملة مفسرة لما أبهم في المثل: أي أن آدم لم يكن له أب ولا أم بل خلقه الله تعالى من تراب ، وفي ذلك دفع لأنكار من أنكر خلق عيسى دون أب مع أعترافه بخلق آدم من غير أب ولا أم . ثم قوله (ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) أي كن بشرا فكان بشرا . (انتهى كلام الشوكاني)


وهنا أود أن أقول أنه ذكر التراب (حسب فهمي) ولم يذكر الصلصال أو الطين لأن التراب أصل خلق الانسان فأذا كان آدم عليه السلام خلق مباشرة من التراب فأن عيسى عليه السلام يشترك معه في أصل الخلق وهو التراب وذلك ينفي الالوهية عن المسيح لكونه يشترك مع آدم في كونه مخلوقا من تراب، والله أعلم وأحكم .





الخميس، 15 أبريل 2010

ولا تموتن الا وأنتم مسلمون

قبل ما يقارب عقدين من الزمان وفي ليلة هادئة ظلماء كنت أتدبر في الكون ومخلوقاته وأتدبر في حالي فخطر في بالي قول الله تعالى  :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }(ال عمران 102) .ظاهر الآية الكريمة أن الله سبحانه وتعالى يأمر عباده بأن يموتوا على الاسلام ، فكيف يتأتى لنا أن نموت على التوحيد والكافر قبل المؤمن يعلم أن الموت قادم بغتة لكل نفس ولن ينجو منه أحد ، أذا كيف نفهم هذه الاية الكريمة ؟
قال شيخ الاسلام ابن تيمية أن هذه الاية تعني الامر بملازمة الأسلام ،ويقول بن كثير في تفسير هذه الاية أي حافظوا على الاسلام في حال صحتكم وسلامتكم لتموتوا عليه .
إسمع قول الله تبارك وتعالى على لسان سيدنا يوسف عليه السلام :( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِين).(يوسف101)
يقول بن القيم جمعت دعوة نبي الله تعالى يوسف عليه السلام في هذه الآية الإقرار بالتوحيد والاستسلام للرب تبارك وتعالى وإظهار الافتقار اليه والبراءة من موالاة غيره سبحانه وتعالى وكون الوفاة على الاسلام أجل غايات العبد وأن ذلك بيد الله لا بيد العبد والاعتراف بالمعاد وطلب مرافقة السعداء .
وخلاصة القول أنه يجب على المسلم أن يكون قائما على دين الله محافظا على حدوده حتى مماته.

 
Arabization 3alymni-b