يقول الله تبارك وتعالى في سورة الحديد :
* ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ *
وقد إختلف بعض المفسرين في تفسير قول الله تبارك وتعالى : ( وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا)
لكن من الواضح – والله أعلم – أن معنى هذه الآية هو أن الرهبانية لم تفرض على النصارى من الله سبحانه وتعالى ولكن هم إبتدعوها من عند أنفسهم ( ما كتبناها ) أي : ما فرضنا تلك الرهبانية عليهم من ترك التلذذ بالأطعمة وترك تزوج النساء والاعتزال عن الناس ، والتوطن في كهوف الجبال ، وقوله تعالى : (إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ ) استثناء منقطع أي : ولكنهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله –وقوله سبحانه ( فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا) ولكنهم لم يرعوا الرهبانية حق رعايتها وضلوا وبدَّلوا وانحرفوا عن دين الله الذي جاء به عيسى عليه السلام فلم يؤمنوا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم كما أمرهم الله عز وجل في الإنجيل .
والحديث مفسر للقرآن ، والحديث التالي يؤكد هذا التفسير ،فرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم نهى عن الرهبانية فقال : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ : ( لَا تُشَدِّدُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَيُشَدِّدَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ، فَإِنَّ قَوْمًا شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ، فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ، فَتِلْكَ بَقَايَاهُمْ فِي الصَّوَامِعِ وَالدِّيَارِ وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
وقال في حديث آخر : عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال أحدهم أما أنا فإني أصلي الليل أبدا وقال آخر أنا أصوم الدهر ولا أفطر وقال آخر أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني .