مَعِيَّةُ الله في الآيتين
في قوله تعالى : ( فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61 ) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)) (الشعراء)
وقوله سبحانه : ( إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا ) (40 التوبة )
قرأت موضوعاً لأحد الأخوة على الشبكة العالمية تناول هذا الموضوع فجال في خاطري أنه لم يوضح المشهدين كما يجب ، فارتأيت أن أتناول هذا الموضوع من وجهة نظري مستعينا بكتاب الجامع لأسماء الله الحسنى للأمامين بن القيم والقرطبي وكذلك كتاب التفسير فتح القدير للشوكاني فأقول وبالله التوفيق : إن قول أصحاب نبي الله موسى عليه السلام :(فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ) ، كأنهم أرادوا أن يقولوا له قدتنا الى الهلاك الحتمي بإخراجك إيانا من مصر ، فجاء الزجر والردع لهم بأداة الزجركلا ففي قوله سبحانه على لسان موسى عليه السلام (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ) سيدنا موسى عليه السلام أراد أن يذكرهم أنه يخرجهم من مصر ويقودهم الى الأرض المقدسة ليس بأمره بل بأمر من الرب تبارك وتعالى فاستخدم اسم الله عز وجل " الرب " الذي يعني المالك المتصرف في ملكه والسيد المطاع والمربي الذي يسوس مربوبه كيفما وكما شاء ، وحسب فهمي للموقف ولأن الترائي قد حصل (بخلاف المشهد في غار ثور) أي أن موسى عليه السلام وقومه قد رأوا جيوش فرعون المهولة وبالمقابل فأن فرعون وجنوده قد رأوا موسى وقومه فعلم يقيناً النبي موسى أن النصر من الله تعالى قد حان أوانه فساعة الحسم قد دقت ، وأن الله تبارك وتعالى سيرشده ويهديه الى طريق النجاة وقد كان كذلك .
أما قوله تعالى على لسان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم (إن الله معنا) يعني أن الله سبحانه وتعالى معه وصاحبه بسمعه وبصره وقدرته وعونه وتأييده ، فلفظ الجلالة " الله " تضاف اليه الأسماء الحسنى
فنقول أن الرحيم والعزيز والقدير والعليم والغفار والقهار والباسط والقابض من أسماء الله ، ولا يقال الله من أسماء الرحمن، قال الله تعالى (وَلله الأَسْمَاء الْحُسْنَى ) (الاعراف180)
وهنا أتفق مع الأخ الذي ذكرت أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد بـ (إن الله معنا) أن يطمئن أبا بكر رضي الله عنه لأن أبا بكر كان ايمانه بالله عميقاً ويعرف الله تعالى (الذي تضاف إليه كل الأسماء الحسنى) حق المعرفة ولكن هنا أود أن أشير الى حقيقة أن أبا بكر كان يطمع أن يكون صاحبا للرسول صلى الله عليه وسلم في الهجرة ،فلا يمكن أن يستقيم المعنى أن يعترض أبو بكر على الرسول ويلومه لاصطحابه كما فعل أصحاب موسى عليه السلام ،وهذا أيضا وجه اختلاف بين المشهدين .
وهنا علينا أن ننتبه أنه لا يجوز أن ننتقص من قدر أصحاب موسى عليه السلام كما فعل ألأخ المذكور، ففي الحديث أن كل نبي له حواريون أو أصحاب ساروا على دربه ، وموسى عليه السلام ليس استثناءً، فثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من نبي بعثه الله في أمته قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل.
اذن لا يجوز الإنتقاص من أصحاب موسى عليه السلام. فالذي نعرفه أن كفة إيمان أبي بكر ترجح كفة إيمان الأمة ولكن هل هذا ينقص من قدر إيمان عمر أو علي أو عثمان رضي الله عنهم جميعاً ؟ لا قطعا ً.