عندما يحدث حادث قد تكرر في التاريخ كثيراً ما نسمع مقولة " التاريخ يعيد نفسه " وليس هنالك ما يدعو للعجب في هذه المقولة إنما تذكرت في إحدى محاضرات الفلسفة ما قالته الدكتورة يومها" أن التاريخ يعيد نفسه ولكن بشكل لولبي "وأعجبتني هذه العبارة ، فقد فهمتها أنا كالتالي: أن الأحداث قد تتكرر عبر التاريخ البشري في صورتها العامة وليس حرفاً بحرف، ولكن تتغير الظروف والشخوص والأزمان والأماكن والوسائل. واليوم قرأت صباحاً سورة الأعراف وعندما تلوتُ الآية ( 137 ) تذكرت هذه العبارة فخطر في بالي أن أكتبها على المدونة، قال الله تعالى :
" وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ ".
أي أورث الله سبحانه وتعالى بني إسرائيل أرض مصر والشام وقيل جميع الأرض جزاءً لهم على صبرهم على العذاب الذي ألحقه بهم فرعون وقومه باستعبادهم وتسخيرهم لخدمتهم، وقتله أبناءَهم ،ودمر الله تبارك وتعالى أبنية وقصور فرعون وقومه.
والذي أريد قوله هنا أن التاريخ أعاد نفسه بشكل لولبي، فاليهود الآن هم الطغاة والظلمة والمفسدون في الأرض المباركة الذين يقتلون شعباً أعزلاً ويستضعفونه، والمؤمنون الصابرون هم أنفسهم الشعب المستضعف .فسبحان الله تعالى وكأن الزمان استدار وعاد ليكون المؤمنون مستضعفين مرةً أخرى مع تغير الشخوص والزمان والمكان في المشهد.
بقي أن أنوه للفارق بيننا وبين اليهود في هذا المشهد ، فهم أتقنوا بامتياز دورَ الطغاة "فرعون وهامان وجنودهما"، أما نحن فلم نتقن إلى الآن جيداً دورَ المؤمنين الصابرين الجديرين بالاستخلاف في الأرض .
ثمّ تأكدت عبارة " أن التاريخ يعيد نفسه ولكن بشكل لولبي "عندما مررت بالآية (169)، قال تعالى :
"فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ".
قال المفسرون هم اليهود ، ورثوا كتاب الله فقرءوه وعلموه ، وخالفوا حكمه وأتوا محارمه مع دراستهم له . فكان هذا توبيخا لهم وتقريعا .
يأخذون عرض هذا الأدنى ثم أخبر عنهم أنهم يأخذون ما يعرض لهم من متاع الدنيا لشدة حرصهم ونهمهم . ويقولون سيغفر لنا وهم لا يتوبون . ودل على أنهم لا يتوبون قوله تعالى وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه والعرض : متاع الدنيا ; والإشارة في هذه الآية إلى الرشا والمكاسب الخبيثة . ثم ذمهم باغترارهم في قولهم " سيغفر لهم " وأنهم بحال إذا أمكنتهم ثانية ارتكبوها ، فقطعوا باغترارهم بالمغفرة وهم مصرون ، وإنما يقول سيغفر لنا من أقلع وندم .
وبالفعل التاريخ يعيد نفسه فقد جاء جيلٌ أو أجيالٌ من المسلمين بدّلوا وأولوا القرآن كما أول اليهود وحرّفوا كتابهم، ونسمع كثيراً قول الذين يقولون أن الله تعالى غفور وتواب رحيم، وهذا حقّ، ولكن الله تبارك وتعالى غفور وتواب لمن يتوب ويقلع عن المعاصي والذنوب والآثام ويبادر إلى الصالحات من الأعمال فيتوب الله تعالى عليه ويرحمه ويدخله جناته ، أما الذين يصرون على المعاصي والذنوب ولا يقومون بالفرائض التي فرضها الله فينطبق عليهم قولُ الله تعالى في الآية السابقة .