السبت، 1 مايو 2010

القفز على الزمن

من المعروف أن القرآن الكريم لسان عربي مبين وقد تحدى الله عز وجل قريش خاصة لفصاحة لسانها والثقلين عامة ولو اجتمعا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن العظيم ، فالمعجزة اللُغوية لهذا القرآن العظيم واضحة وقد عجزت قريش عن التشكيك بهذا القرآن فذهبت إلى محاولة صرف الناس عن إتباعه بنشر الشائعات عن المصطفى صلى الله عليه وسلم مثل (السحر والمس والكذب وغيرها من الافتراءات التي لم تنَلْ من سمعة محمد صلى الله عليه وسلم ) كما هو حال المجرمين مع رسل الله عز وجل .


واليوم سنقف قليلاً مع ظاهرة بلاغية تدعى القطع (القفز على الزمن) التي تظهر بشكل متكرر في السرد القصصي القرآني وهذه من الصور البلاغية التي تحقق الفائدة المرجوَّة ،ومن الأمثلة على ذلك ،


قول الله تعالى :


* فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ * قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ * (الشعراء 16-19 )


نلاحظ كيف تم قطع الزمن في هذه الآيات عندما انتقل من خطاب الله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام فوراً ا لى مشهد " جواب فرعون لسيدنا موسى عليه السلام " للتركيز على أهميته .


وقوله تبارك وتعالى * وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ* وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ *أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ * إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ* قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ* قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ * وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ* إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ * (يس 20-29)


فهذه صورة أخرى من صور القفز عن الزمن في القرآن الكريم ، ففي هذه الآية ذكر ربنا تبارك وتعالى القرية أولاً لبيان حال أهلها الذين كفروا بالله وكذبوا الرسلَ الثلاثة ،أما الرجل المؤمن فقد قدم مسرعاً لنصرة دين الله عز وجل ، وأخذ يُقَدِّمْ مناصحته لنفسه وهو يقصد قومَه فبدأ ببيان الحجج لإقناعهم بترك عبادة الأوثان ، والإيمان بالله ثم بعد أن رأى منهم الإصرار على موقفهم أعلن إيمانه على الملأ برسالة التوحيد مظهراً التحدي لقومه .


ففي النص القرآني (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ) تم قطع المشهد الذي فيه أقدم القوم على قتل الرجل المؤمن (وهذا حال المؤمنين مع المجرمين على مرِ الزمان ، فعندما يستنفذ الكفرة جميع الوسائل لردع المؤمنين وصدهم عن دين الله عز وجل يقدموا على قتالهم ).


وقطع هذا المشهد فيه ايجاز حذف ، الفائدة منه بيان عظم الأجر والثواب الذي ناله هذا المؤمن جزاءَ شهادته في سبيل نصرة دين الله تبارك وتعالى ،وهو الجنة التي وُعِد بها المتقون .


ثم أنظر إلى رحمة المؤمن ورأفته بقومه(قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ) فهو يتمنى أن يعلم قومُه ما ناله من المغفرة والتكريم بعد قتله(وقد قال بهذا بعض المفسرين) فقد يكون عِلمُهم بهذا الجزاء دافعا لهم إلى الإيمان بالله عز وجل ، ولكن هيهات هيهات ، فأنى لهم ذلك وقد صَمُّوا آذانهم وعميت قلوبهم عما جاءهم من الحق فكان جزاؤهم صيحةً واحدةً أبادتهم عن بِكرةِ أبيهم . 

ماهر قرواني

 
Arabization 3alymni-b