الثلاثاء، 11 مايو 2010

عبث أم بعث

تذكرت حادثةً قبل ثلاثة عشر عاماً -وقد كنت في مكتبي- حينها ناقشت طالباً كان يومها يدَّعي الماركسية ، تلك الماركسية التي تحرره من قيود الدين والعادات والتقاليد السائدة في مجتمعنا الفلسطيني ولا تلزمه بأي التزام إلا إتباع الهوى فلا رقيب ولا عتيد .
قلت له حينها هل تظن أننا خُلقنا هكذا كما تظن ،أهلُ الشرِّ من اللصوص يسرقون أموال الناس وممتلكاتهم ،والقتلة يفتكون بضحاياهم كما يريدون وأهل الفاحشة يمارسون الخطيئة متى يشاؤون ، الأقوياء يبطشون بالضعفاء والأغنياء منهم يأكلون أموال الناس بالباطل وأصحاب النفوذ يستغلون شعوبهم وينهبون ثروات بلادهم ، أما أهل الخير والصلاح فيكبتون شهواتهم ورغباتهم ويدورون مع الحق حيث دار ،ويصبرون على أذى الآخرين ولسان حالهم يقول كما قال ربهم عنهم :
* وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا *
ثم ماذا ؟ الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ، فالجميع سيموتون ...سيموتون وتموت معهم أفعالهم كما تظنون !! بلا حساب ولا عقاب ولا ثواب . فابتسم الطالب ثم أردفت قائلاً إن كان هذا ظنكم فان هذا قمة العبث الذي لا يمكن أن يكون ، ولا يمكن أن يعقله عاقل .
فنظر إليَّ نظرة الحيران ولم ينبس ببنت شفه ولكنه ابتسم ابتسامة –هذه المرة- تنبع عن سفهٍ ولسان حاله يقول أنت لم تأتِ بشيء جديد ، وكما قال الدهريون قديما وحديثا :
( وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ )
( الجاثية - 24 ).
واليوم قرأت هذه الآية فتذكرت ذلك الحوار مع الطالب ،فقررت أن أكتبه في ظلال هذه الآيات الكريمة من كتاب الله المجيد :
أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَـٰكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ فَتَعَـٰلَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْكَرِيمِ)) المؤمنون:115-116
في هذه الآية يوبخ اللهُ تبارك وتعالى الكافرين لكفرهم بالبعث وبيوم القيامة ،ولظنّهم بأن الله -تعالى عن ذلك علواً كبيرا- خَلقَ البشر للإهمال كما خُلقت الحيوانات والبهائم ولا ثواب ولا عقاب وظننتم أيها الكفار أن لا نشور ولا رجوع ولا حساب بعد الممات . فتعالى الله سبحانه عن أن يكون قد خلق الخلق عبثاً ولعباً فهو الملك الحق (بأفعاله وأقواله) الذي يخضع لملكهِ المطلق كلُّ المخلوقات .
وفي قوله تعالى :
(أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَـٰنُ أَن يُتْرَكَ سُدًى ) (القيامة:36)
أيظن الإنسان أن الله عز وجل خلقه هملاً لا يُؤمر ولا يُنهى ولا يحاسب ولا يعاقب .
كلّا يا ربنا فقد خلقت الثقلين ولم تتركهما دون هداية فأرسلت لهم رسلك الكرام وأنزلت لكل منهم شرعة ومنهاجا لكي يسير عليها أقوامُهم ولا يضلوا الطريق ،ثم ختمتَ الدين برسالة محمد صلى الله عليه وسلم فنسألك يا ربنا الثبات على الحق .

ماهر قرواني

 
Arabization 3alymni-b