الجمعة، 14 يناير 2011

سرابُ الكافرين خيبةٌ مركَّبة


قال الله تعالى ( وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ )(إبراهيم 25)
بداية أتناول المثل القرآني من سورة إبراهيم ، في قول الله تعالى : (مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ ) )(إبراهيم18 ).

أي أن الكفار الذين عبدوا غير الله سبحانه وتعالى لا يستفيدون من أعمالهم يوم القيامة، فهي كالرماد الذي نثرته رياح عاصفة لا يمكن جمعه. وهذا هو الخسران المبين لأن أعمالهم مهما كثرت فهي مُحبطةٌ بسبب كفرهم بالله الواحد الأحد.فأعمال الكافرين لا يعتد بها مهما بلغت ولا يكون للكفرة قدرٌ عند الله سبحانه ولا منزلةٌ، يقول الله سبحانه في سورة الكهف: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا *

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة " ، وقال اقرءوا إن شئتم : (فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا) .
وقال أبو سعيد الخدري : يأتي أناس بأعمال يوم القيامة هي عندهم في العظم كجبال تهامة ، فإذا وزنوها لم تزن شيئا ، فذلك قوله تعالى (فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا )

ويقول الله تبارك وتعالى في سورة النور : وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ *(39)

والمعنى أن الكفار يُعَوّلون على أعمالهم التي يظنونها من الخير ويطمعون في ثوابها ، فإذا قدموا على الله سبحانه لم يجدوا منها شيئا ؛ لأن الكفر أحبطها ومحا أثرها، تماماً مثل الظمآن الذي يحسب السراب في الصحراء ماءً فإذا ما اقترب منه لم يجد شيئا. ثم ذكر سبحانه ما يدل على زيادة حسرة الكفرة ، وأنه لم يكن قصارى أمرهم مجرد الخيبة كصاحب السراب فقال : (وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) أي وجد الله بالمرصاد فوفاه حسابه أي جزاء عمله .

أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ *(40)
وضرب الله مثلاً آخراً لأعمال الكفار كما أنها تشبه السراب الموصوف بتلك الصفات ، فهي أيضا تشبه الظلمات، والمعنى : يغشاه موج من بعده موج ، فيكون الموج يتبع بعضه بعضا حتى كأن بعضه فوق بعض ، والبحر أخوف ما يكون إذا توالت أمواجه ، فإذا انضم إلى ذلك وجود السحاب من فوقه زاد الخوف شدة ؛ لأنها تستر النجوم التي يهتدي بها من في البحر ، ثم إذا أمطرت تلك السحاب وهبت الريح المعتادة في الغالب عند نزول المطر تكاثفت الهموم وترادفت الغموم ، وبلغ الأمر إلى الغاية التي ليس وراءها غاية ، ولهذا قال سبحانه : ( ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ) أي هي ظلمات متكاتفة مترادفة ، ففي هذه الجملة بيان لشدة الأمر وتعاظمه .

أسأل الله السلامة والعافية.


 
Arabization 3alymni-b