فهل كان أمر العصا كذلك ؟ بالطبع لا، فالعصا ليست سحرية لأن السحر كفر وافتراء على الله ،إسمع قول الله سبحانه وتعالى على لسان موسى عليه السلام للسحرة :(قَالَ لَهُم مُّوسَى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى ) - (طه 61)
ولو كانت العصا سحرية فلماذا آمن السحرة على الفور ؟ الشيء المؤكد أن الأمر ليس كذلك فالسحر صناعتهم ،ولكن الأمر أعظم من ذلك فانظر الى قول الله تبارك وتعالى لموسى عليه السلام :( وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى )-(طه69)
وبالمقابل ياتي الجواب من السحرة ، في قوله تعالى :
(فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى)- (طه70)
"فألقي السحرة سجدا" لما رأوا من العصا الأمر العظيم فوق العادي ، الخارق لما اعتادوه من قوانينهم؛ ففهموا أن العصا ليست سحرية فهي ابتلعت على وجه الحقيقة لا الخيال جميع ما احتالوا به من الحبال والعصي .
وقد أكد الله سبحانه وتعالى هذه الخاصية للعصا الخارقة للعادة في موضع آخر في كتابه المجيد حين قال : وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لّا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى *(طه77).
وبعد أن تبع فرعون وجنوده موسى وقومه على الطريق الذي انشق بالعصا أراد سيدنا موسى بطبيعته البشرية ( أنت اذا فتحت طريقا تستطيع أن تغلقه وإذا كسرت شيئا تظن أنك تستطيع اصلاحه بلصقه وهكذا ....) أن يضرب البحر بالعصا ليطبقه ويغرق فرعون وجنوده وينجو هو وقومه ، لكن الله تبارك وتعالى الحكيم العليم أراد الأمر بشكل آخر فيقول لموسى عليه السلام : (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ) (الدخان24).
فأقول وبالله التوفيق كأن ربنا تبارك وتعالى يريد أن يبين لقوم موسى عليه السلام أن العصا ليست سحرية لكي لا يفتنوا بها ، فالسر لا يكمن في العصا بل في قوة ربِ حاملِ العصا ، يقول الله عز وجل في سورة البقرة :(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ)- (البقرة 165)