مَنْ منّا أيها الأخوة لا يتعثر في حياته اليومية في أمر ما ، مَنْ منّا لا تتعثر سيارته أثناء ذهابه إلى مكان ما ، كثير من الناس تحدث معهم هذه الأمور ولكن من منّا عزا هذه العثرات إلى ذنوبه ...من منّا وقف مع نفسه عند عثراته وقال إن هذا الأمر حدث لي اليوم لأني فعلت كذا وقلت كذا .
تخيلوا –إخواني- لو كلٌ منّا عزا عثراته إلى المعاصي والذنوب التي يقوم بها مهما صغرت، لو كان الأمر كذلك لفررنا إلى الله سبحانه وتعالى طائعين منيبين توابين ولصلح حالنا واستقام أمرنا، ومن منّا لا يذنب حتى يكون في مأمن من العثرات والمصائب ،عافانا وإياكم الله تعالى .
قال الله تعالى : ( وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون ).
وهنا أريد أن أقول ، كثيراً ما نقرأ هذه الآيات من الذكر الحكيم ولكن قليلاً ما نقف عندها مستحضرين لمعناها الصحيح :
(أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ( 78 النساء) مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا ( 79 النساء))
يقول الإمام الشوكاني رحمه الله في معرض تفسيره لقوله (وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ) أي إن تصبهم نعمة نسبوها إلى الله تعالى وإن تصبهم بلية ونقمة نسبوها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فردّ الله تعالى ذلك عليهم بقوله (قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ) ليس كما تزعمون ، ثم نسبهم إلى الجهل وعدم الفهم فقال :( فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا) أي ما بالهم هكذا ، وقوله :( مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ)
هذا الخطاب إما لكل من يصلح له من الناس أو لرسول الله صلى الله عليه وسلم تعريضاً لأمته : أي ما أصابك من خصب ورخاء وصحة وسلامة فمن الله بفضله ورحمته ، وما أصابك من جهد وبلاء وشدة فمن نفسك بذنب أتيته فعوقبت عليه .
يقول الإمام بن القيم رحمه الله في كتابه شفاء العليل بخصوص قوله (قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ) ولم يقل : من الله لما جمع بين الحسنات والسيئات . والحسنة مضافة إلى الله من كل وجه ، والسيئة إنما تضاف اليه قضاء وقدراً وخلقاً ، وأنه خالقها كما هو خالق الحسنة .وهو سبحانه إنما خلقها لحكمة فلا تضاف إليه من جهة كونها سيئة ، بل من جهة ما تضمنته من الحكمة والعدل والحمد وتضاف الى النفس (من جهة ) كونها سيئة .
ولرفع وهم من توهّم أن نفسه لا تأثير لها في السيئة ولا هي منها أصلاً فقال : (مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ) . ولم يقل من عندك ،لأن النفس طبيعتها ومقتضاها ذلك فهو من نفسها ، والجميع من عند الله فالسيئة من نفس الإنسان بلا ريب ، والحسنة من الله بلا ريب ، وكلاهما من عنده سبحانه قضاءً وقدراً وخلقاً ففرّق بين ما من الله وبين ما من عنده . والشر لا يضاف الى الله إرادةً ولا محبةً ولا فعلاً ولا وصفاً ولا اسماً .
وخلاصة القول ، إذا كانت المصائب والعثرات تحلّ بالإنسان بسبب ذنب قد اقترفه أو إثم قد فعله فحريّ به أن يتعرف على ذنوبه لاجتنابها ما استطاع الى ذلك سبيلا.