السبت، 22 مايو 2010

قصور العقل


سألني أحد الزملاء يوما لماذا خلقني ربّي ثم كلّفني بالقيام بالعبادات فأن لم ألتزم عذبني ربي ؟!
يا أخي ، أنا لا أريد أن  أُخلَق من البداية لكي لا أخضع لهذا التكليف ، فابتسمت ابتسامة المستغرب من السؤال ثم أجبته على الفور ...أنت عبدٌ لله وليس لك الإرادة أن تختار أن يخلقك أو لا يخلقك  ،ثم قلت له ولله المثل الأعلى عندما يصنع المهندس جهاز التلفاز فهل يستطيع أن يرفض التلفاز القيام بالعمل الذي صنع من أجله ، طبعا لا يستطيع فلا يمتلك التلفاز إرادة الرفض  .
قد يقول قائل هناك فرق بين التلفاز والإنسان ، فأقول تعالى ربُّنا علواً كبيراً عن التمثيل والتشبيه بأي شيء ، ولكن الأمثال يؤتى بها لغةً لتوضيح  الغرض المراد بيانه .

أُنظر الى عظمة الله سبحانه وتعالى وبديع صنعه من أرض وسماوات وما فيها من مخلوقات عظيمة فيبدو الإنسان بالنسبة لها مخلوقاً صغيراً ، أو نقطة في هذا الكون الواسع تكاد أن تكون مجردة ، بل إن السماوات السبع بعظمتها -- كما تبدو لنا وكما وصفها المصطفى صلى الله عليه وسلم  في الحديث-- والأرضَ وما فيهن مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وتعالى .

وهنا أود أن أقول أن كثيراً من المسلمين أو بعضهم لا يستحضرون عظمة الله سبحانه وتعالى  في حياتهم اليومية وتصرفاتهم وأقوالهم ، وبعضهم قد يقع في المحظور مثل زميلنا ، فإذا ما رأيت أمراً قد حدث ولم تعرف علته والحكمة منه فانسب ذلك إلى قصور علمك ، واحذر الاعتراض على حكمة الله عز وجل وعدم التسليم بها فقد تتلفظ بكلمة تهوي بك في جهنم سبعين خريفا كما جاء في الحديث ،ولذلك يجب علينا تعظيم الله سبحانه وتعالى حق تعظيمه والإيمان بأسمائه الحسنى وتقديس صفاته العلى  ، فاسمع قول الله تعالى :

وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ  (الزمر 67)

ونحن معشر المسلمين  نعلم أن الله سبحانه من صفاته أنه حكيم عليم لا يعبث ولهذا ينبغي علينا أن لا نعترض على القدر كما فعل

كبيرُ السفهاء إبليس في قوله (خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ)(الأعراف 12).
وهنا معنى قوله : إن تفضيلك الطين على النار ليس بحكمة .
انظر أخي المسلم الى أين آلَ بإبليس غرورُه  وتكبرُه وعصيانُه وعبارةُ الكفر هذه ، فاستحق لعنةَ اللهِ عليه وعذابه المهين . 

وخلاصة  القول أنه لا يجوز أن تصدر عنا عباراتٌ أو ألفاظ  فيها اعتراض على حكمة الله سبحانه ، فمن حكمة الله تعالى  أنهُ أنشأ الخلقَ، وخلق الأنس والجن ليعبدوه ثم يُهلكهم جميعاً و يُعيدُهم اليه ويوفيهم حسابهم،وحُقَّ له ذلك لأنه مالِك ،  فبفضله وحكمته وعدله سبحانه وعدَ بالإعاده والجزاء والبقاء الدائم في النعيم لمن أطاعه والعذاب المهين لمن عصاه وخالف أمره .


ماهر قرواني

الثلاثاء، 11 مايو 2010

عبث أم بعث

تذكرت حادثةً قبل ثلاثة عشر عاماً -وقد كنت في مكتبي- حينها ناقشت طالباً كان يومها يدَّعي الماركسية ، تلك الماركسية التي تحرره من قيود الدين والعادات والتقاليد السائدة في مجتمعنا الفلسطيني ولا تلزمه بأي التزام إلا إتباع الهوى فلا رقيب ولا عتيد .
قلت له حينها هل تظن أننا خُلقنا هكذا كما تظن ،أهلُ الشرِّ من اللصوص يسرقون أموال الناس وممتلكاتهم ،والقتلة يفتكون بضحاياهم كما يريدون وأهل الفاحشة يمارسون الخطيئة متى يشاؤون ، الأقوياء يبطشون بالضعفاء والأغنياء منهم يأكلون أموال الناس بالباطل وأصحاب النفوذ يستغلون شعوبهم وينهبون ثروات بلادهم ، أما أهل الخير والصلاح فيكبتون شهواتهم ورغباتهم ويدورون مع الحق حيث دار ،ويصبرون على أذى الآخرين ولسان حالهم يقول كما قال ربهم عنهم :
* وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا *
ثم ماذا ؟ الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ، فالجميع سيموتون ...سيموتون وتموت معهم أفعالهم كما تظنون !! بلا حساب ولا عقاب ولا ثواب . فابتسم الطالب ثم أردفت قائلاً إن كان هذا ظنكم فان هذا قمة العبث الذي لا يمكن أن يكون ، ولا يمكن أن يعقله عاقل .
فنظر إليَّ نظرة الحيران ولم ينبس ببنت شفه ولكنه ابتسم ابتسامة –هذه المرة- تنبع عن سفهٍ ولسان حاله يقول أنت لم تأتِ بشيء جديد ، وكما قال الدهريون قديما وحديثا :
( وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ )
( الجاثية - 24 ).
واليوم قرأت هذه الآية فتذكرت ذلك الحوار مع الطالب ،فقررت أن أكتبه في ظلال هذه الآيات الكريمة من كتاب الله المجيد :
أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَـٰكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ فَتَعَـٰلَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْكَرِيمِ)) المؤمنون:115-116
في هذه الآية يوبخ اللهُ تبارك وتعالى الكافرين لكفرهم بالبعث وبيوم القيامة ،ولظنّهم بأن الله -تعالى عن ذلك علواً كبيرا- خَلقَ البشر للإهمال كما خُلقت الحيوانات والبهائم ولا ثواب ولا عقاب وظننتم أيها الكفار أن لا نشور ولا رجوع ولا حساب بعد الممات . فتعالى الله سبحانه عن أن يكون قد خلق الخلق عبثاً ولعباً فهو الملك الحق (بأفعاله وأقواله) الذي يخضع لملكهِ المطلق كلُّ المخلوقات .
وفي قوله تعالى :
(أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَـٰنُ أَن يُتْرَكَ سُدًى ) (القيامة:36)
أيظن الإنسان أن الله عز وجل خلقه هملاً لا يُؤمر ولا يُنهى ولا يحاسب ولا يعاقب .
كلّا يا ربنا فقد خلقت الثقلين ولم تتركهما دون هداية فأرسلت لهم رسلك الكرام وأنزلت لكل منهم شرعة ومنهاجا لكي يسير عليها أقوامُهم ولا يضلوا الطريق ،ثم ختمتَ الدين برسالة محمد صلى الله عليه وسلم فنسألك يا ربنا الثبات على الحق .

ماهر قرواني

السبت، 8 مايو 2010

لن آكل الثلج



بقلم : A. Qarawani


كنتُ جثة هامدةً ممددة على سريرٍ أبيض، غرفة باردة كالثلج، تغصّ برائحة الدواءِ ولا نوافذ..
كانت أمي جالسةً قربي طوال شهرين، وإن كنتُ فاقدة الوعي أغلب الوقتِ غير أني كنتُ أحلم أنّ أنفاسها تعبر رئتي المعطوبة بدفء، وأسمعُ بكاءها السري، وأحزنُ من عجزي أن أفتح عينيّ أو أمدّ كفي المرهقة، وألمس خدها الناعم ، وأقول لها: «هل تسامحيني؟»..
كنتُ أحاولُ أن أقول لها كلما صحوت، أنني نادمةٌ جداً، وأنني لنْ آكل الثلج المكوم على حافة النافذة وأغصان الشجر بعدَ الآن . لكنّ الجحيم كان يستعرُ داخلَ جسدي، والصدر حارّ ينضحُ بالدّم؛ السّل ينهشُ أنسجة الرئة الصغيرة، والحنجرة بيضاءُ كقطبِ الجليد. لمْ أكنْ جسداً واحداً.. كانت روحي معلقة في السقف، أنظر إلى أمي، وأسمع كلام العابرين، وأنظرُ إليّ.. طفلة ذات خمسِ سنوات هزيلة وزرقاء، وأتساءل: لمَ لا يغطونني والبرد قارس؟..
كلما فتحتُ عينيّ تسرعُ أمّي نحوي، تمسّ جبيني بحذر، تتمتم أشياءَ لا أسمعها ولا أفهمها.. كنتُ أريدها أن تقبل خدي الغائر في وجهي، أن تحضنني كي أتأكد أن جسدي لمْ يتحلل بعد. ويهذي ما تبقى في القلب: أتخشى أن تقترب مني أكثر؟
كنتُ أرحل في فسحةِ اللاوقتِ، اللا إحساس، الذهول، والترقب .. وكان لابد أن أصلَ إلى إحدى الضفتين كي تكفّ الرئة عن الفوران، وتهدأ الأنفاسُ المضمخة بالدم، وأتخلص من رائحة الكيمياء الدائرة في جسدي ..
للسقف طعمُ الغربة. أن تراقبَ نفسكَ من علو، وتطالع خطى الوقت، وحركات الزائرين، أن تكون قربـ «ك» دون أن تكون فيك. أن تراقب المكان، وأنت غير مرئيّ. وببطء تفقد حرارةَ الحياة، ويتجمد اللون الوردي في بتلاتِ الرّوح، ليس الألمُ، ولا التعبُ ما يثقل حبال القلب. إنما هذه الحيرة، بين الرغبة في البقاء، والحاجة للخلاص. كنتُ أتوقُ للرّاحة .. لكنّي كنتُ أتوقُ لنفسي أيضاً، لنكهةِ الصباح، لمرحِ الطفولة، ولملمسِ الأرض.
لم يكن أحدٌ قادراً على أن يعيدني، وبدأت أدركُ أنّ السقف لن يتحملني طويلاً.. وأنني متعبةٌ بما يكفي لكي أذهب. أرخيتُ روحي.. وشعرتُ بتمددِ الهواء، واتساعِ الفضاء وخفة فقاعات الصابون.. فأغمضتُ عيني، وحلقتُ... حلقتُ، حتى شعرتُ بغياب كل شيء، وأنني أتصاعدُ كبخارٍ وأتناثرُ في جوفِ الكون.
كان البرد يتلاشى قليلاً قليلاً، ثم أخذتْ تغمرني حبّات دفء طرية، واختفت رائحة السقف والممرات البيضاء، وشعرت بفسحةٍ خضراء تملأ روحي. حلمتُ بي، حلمتُ بالطفولة، بملمسِ الأرض، بعطرِ البيت، بالأزهار، بالألعاب.. وحلمتُ بأمي..
شعرتُ بخصلاتها الناعمة تهطلُ فوق وجهي، وتحسّستُ بَللَ أنفاسِها في الهواء، تصورت طيفها الحاني.. وانتابني وهجُ الشوق .. ففتحتُ عينيّ..
رأيت الغرفة البيضاء، وأنا طفلة هزيلة ممددة على السرير، وأمي نائمة قربي.



الخميس، 6 مايو 2010

لا رهبانية في الإسلام

الرهبانية هي غلو في تحمل التعبد بسبب شدة الرهب ، وهي طريقة في العبادة لدى النصارى ، فهل لها أصلٌ في دين الله عز وجل ؟


يقول الله تبارك وتعالى في سورة الحديد :


* ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ *


وقد إختلف بعض المفسرين في تفسير قول الله تبارك وتعالى : ( وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا)


لكن من الواضح – والله أعلم – أن معنى هذه الآية هو أن الرهبانية لم تفرض على النصارى من الله سبحانه وتعالى ولكن هم إبتدعوها من عند أنفسهم ( ما كتبناها ) أي : ما فرضنا تلك الرهبانية عليهم من ترك التلذذ بالأطعمة وترك تزوج النساء والاعتزال عن الناس ، والتوطن في كهوف الجبال ، وقوله تعالى : (إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ ) استثناء منقطع أي : ولكنهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله –وقوله سبحانه ( فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا) ولكنهم لم يرعوا الرهبانية حق رعايتها وضلوا وبدَّلوا وانحرفوا عن دين الله الذي جاء به عيسى عليه السلام فلم يؤمنوا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم كما أمرهم الله عز وجل في الإنجيل .


والحديث مفسر للقرآن ، والحديث التالي يؤكد هذا التفسير ،فرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم نهى عن الرهبانية فقال : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ : ( لَا تُشَدِّدُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَيُشَدِّدَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ، فَإِنَّ قَوْمًا شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ، فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ، فَتِلْكَ بَقَايَاهُمْ فِي الصَّوَامِعِ وَالدِّيَارِ وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.


وقال في حديث آخر : عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال أحدهم أما أنا فإني أصلي الليل أبدا وقال آخر أنا أصوم الدهر ولا أفطر وقال آخر أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني .




ماهر قرواني

السبت، 1 مايو 2010

القفز على الزمن

من المعروف أن القرآن الكريم لسان عربي مبين وقد تحدى الله عز وجل قريش خاصة لفصاحة لسانها والثقلين عامة ولو اجتمعا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن العظيم ، فالمعجزة اللُغوية لهذا القرآن العظيم واضحة وقد عجزت قريش عن التشكيك بهذا القرآن فذهبت إلى محاولة صرف الناس عن إتباعه بنشر الشائعات عن المصطفى صلى الله عليه وسلم مثل (السحر والمس والكذب وغيرها من الافتراءات التي لم تنَلْ من سمعة محمد صلى الله عليه وسلم ) كما هو حال المجرمين مع رسل الله عز وجل .


واليوم سنقف قليلاً مع ظاهرة بلاغية تدعى القطع (القفز على الزمن) التي تظهر بشكل متكرر في السرد القصصي القرآني وهذه من الصور البلاغية التي تحقق الفائدة المرجوَّة ،ومن الأمثلة على ذلك ،


قول الله تعالى :


* فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ * قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ * (الشعراء 16-19 )


نلاحظ كيف تم قطع الزمن في هذه الآيات عندما انتقل من خطاب الله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام فوراً ا لى مشهد " جواب فرعون لسيدنا موسى عليه السلام " للتركيز على أهميته .


وقوله تبارك وتعالى * وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ* وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ *أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ * إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ* قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ* قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ * وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ* إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ * (يس 20-29)


فهذه صورة أخرى من صور القفز عن الزمن في القرآن الكريم ، ففي هذه الآية ذكر ربنا تبارك وتعالى القرية أولاً لبيان حال أهلها الذين كفروا بالله وكذبوا الرسلَ الثلاثة ،أما الرجل المؤمن فقد قدم مسرعاً لنصرة دين الله عز وجل ، وأخذ يُقَدِّمْ مناصحته لنفسه وهو يقصد قومَه فبدأ ببيان الحجج لإقناعهم بترك عبادة الأوثان ، والإيمان بالله ثم بعد أن رأى منهم الإصرار على موقفهم أعلن إيمانه على الملأ برسالة التوحيد مظهراً التحدي لقومه .


ففي النص القرآني (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ) تم قطع المشهد الذي فيه أقدم القوم على قتل الرجل المؤمن (وهذا حال المؤمنين مع المجرمين على مرِ الزمان ، فعندما يستنفذ الكفرة جميع الوسائل لردع المؤمنين وصدهم عن دين الله عز وجل يقدموا على قتالهم ).


وقطع هذا المشهد فيه ايجاز حذف ، الفائدة منه بيان عظم الأجر والثواب الذي ناله هذا المؤمن جزاءَ شهادته في سبيل نصرة دين الله تبارك وتعالى ،وهو الجنة التي وُعِد بها المتقون .


ثم أنظر إلى رحمة المؤمن ورأفته بقومه(قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ) فهو يتمنى أن يعلم قومُه ما ناله من المغفرة والتكريم بعد قتله(وقد قال بهذا بعض المفسرين) فقد يكون عِلمُهم بهذا الجزاء دافعا لهم إلى الإيمان بالله عز وجل ، ولكن هيهات هيهات ، فأنى لهم ذلك وقد صَمُّوا آذانهم وعميت قلوبهم عما جاءهم من الحق فكان جزاؤهم صيحةً واحدةً أبادتهم عن بِكرةِ أبيهم . 

ماهر قرواني

 
Arabization 3alymni-b