الخميس، 30 ديسمبر 2010

لا تكن من هؤلاء




تطرقت إلى ضرب الأمثال في القرآن في موضوع سابق تعلق بتشبيه المسيح عليه السلام بآدم عليه السلام،واليوم سأتناول الصورة في هذه الآية، قال الله تعالى (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (5، الجمعة).

من حكمِ ضَرْبِ هذا المثل القرآني التقريع والتوبيخ ، إذ إن هذا التشبيه يجعل المرء يتدبر قول الله تعالى مع تخيل صورة حمارٍ يحمل كتباً لا يفقه منها شيئاً،فلا يعمل بما فيها ولا يستفيد منها،وكذلك اليهود فقد أنزل الله عز وجلّ لهم التوراة ليحكموا بها ويديروا شئون حياتهم وفق ما جاء فيها من أحكام شرعية، فلم يفعلوا ذلك وتنكروا لدين الله تبارك وتعالى واتخذوه وراء ظهورهم، فقتلوا فريقاً من الأنبياء وكذبوا فريقاً آخر، فاستحقّوا هذا التشبيه.

وقد يظنّ ظانٌّ أن هذه الآية خاصةٌ باليهود، ولكن مراد هذه الآية-والله أعلم-بيانُ الصورة القبيحة لمن يَتَنكر لدين الله عز وجل، ولحثِّ المسلمين على التمسك بدين الله وكتابه المجيد والعمل وفقَ أحكامه، وعدم التشبه باليهود بترك العمل به، فإن فعلوا فعلَ اليهود كانوا مثلَهم في استحقاقهم لأن يكونوا كالمشبه به (الحمار) في الآية الكريمة.

وفي المرة القادمة إن شاءَ اللهُ تَعالى سأكونُ معكم في مثلٍ قرآنيّ آخَر .

الأحد، 26 ديسمبر 2010

عمـَى القلوب


    قبل شهر كنت مسافراً إلى رام الله فاستمعت إلى درس لأحد الشيوخ على إحدى الإذاعات المحلية حول آية من كتاب الله المجيد:  " وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ " ولا أدري لماذا أوقعت هذه الآية في نفسي أثراً بالغاً فلعلّها ذكَّرتني بأن الظلمَ قد حرّمه اللهُ عزَّ وجَلّ على عباده فقال في الحديث القدسيّ " يا عبادي إنّي حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا " أو لأنها آيةُ تعزيةٍ ومواساةٍ لكل من وقع عليه ظلمٌ ،وآيةُ تهديدٍ ووعيدٍ لكل ظالمٍ أبى إلا أن يستكبر في الأرض بغير الحق.
والسؤال ما الذي بدا من الله عز وجل حتى ظنّ بعضُ الناس أو كثيرٌ منهم أن الله غافلٌ (حاشاه سبحانه)عما يعمل الظالمون؟
إنّ من صفات الله تبارك وتعالى " الحليم"، والله عز وجلّ له الحلم الكامل الذي وسع أهل الكفر والفسوق والعصيان، حيث أمهلهم ولم يعاجلهم بالعقوبة ليتوبوا، ولو شاء لأخذهم بذنوبهم فور صدورها منهم، فإن الذنوب تقتضي تَرَتٌّبَ آثارها عليها من العقوبات العاجلة المتنوعة، ولكن حلمه سبحانه هو الذي اقتضى إمهالهم. كما قال الله تعالى : وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45 فاطر). (الجامع لأسماء الله الحسنى (ابن القيم-القرطبي))
ولكن عندما يصيب المرءَ داءُ الغرور والكبر تعمى القلوبُ التي في الصدور فيظنُّ الظالمُ أنَّه يتصرف بالأمور كما يشاء دون حسيب أو رقيب، ويغترّ بقوته وتسلطه على العباد وإيذائه للناس، وينسى قول الله عز وجلّ " وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ " (الأعراف 182) .
وفي حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ: {وكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} رواه البخاري ومسلم.
وقال عمر رضي الله عنه: «واتقِ دعوة المظلوم، فإن دعوة المظلوم مستجابة».
وقيل: إن الظلم ثلاثة: فظلم لا يُغفر، وظلم لا يُترك، وظلم مغفور لا يُطلب، فأما الظلم الذي لا يغفر فالشرك بالله، نعوذ وإياكم بالله تعالى من أن نشرك به شيئا، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (سورة النساء:48)، وأما الظلم الذي لا يترك، فظلم العباد بعضهم بعضًا، وأما الظلم المغفور الذي لا يطلب، فظلم العبد نفسه.

قال أبو العتاهية:
أمــا والله إن الظلـم لـؤم وما زال المسيئ هو الظلوم
إلى ديـان يـوم الدين نمضي وعند الله تجتمع الخصـوم
ستعلم في الحساب إذا التقينا غـداً عند الإله من الملـوم

ماهر قرواني

 
Arabization 3alymni-b