ولهذا قال : (أولئك لهم اللعنة) وهي الإبعاد عن الرحمة ، ( ولهم سوء الدار) وهي سوء العاقبة والمآل ، ومأواهم جهنم وبئس القرار ،انتهى كلام بن كثير .
نلاحظ أن الله تبارك وتعالى في هذه الآية حدّد صفات الفاسقين وهي ثلاث: نقض العهد وهو عهد التوحيد أي عبادة الله وحده لا شريك له، وقطعهم للرحم وغيرها وإفسادهم في الأرض بارتكاب المعاصي والذنوب ومخالفة أوامر الله عز وجلّ وفعل نواهيه فاستحقوا بذلك العذاب الشديد وطردهم من رحمة الله سبحانه.
وهذه الصفات تماما عكس ما يتصف به المؤمنون، ففي الآيات التي سبقت الآيات عن المنافقين من نفس السورة يقول الله تبارك وتعالى :
الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلاَ يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ* وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ*
وقد ضرب الله أمثالاً كثيرة عن الذين ينقضون عهودهم مع الله سبحانه فمثلاً في سورة الأنعام يقول الله عز وجل:
(قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين* قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ) الأنعام63-64
ومثل آخر في سورة التوبة، في قوله تعالى عن المنافقين:
وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ* فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّوْا وَّهُم مُّعْرِضُونَ* فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ (التوبة75-77)
وهنا يَجدرُ التحذير من خداع النفس لصاحبها فقد توسوس له بنقض العهد مع الله تعالى بالنكوص إلى الوراء لمخالفة أمر الله تعالى وإتباع الشيطان ليضله ضلالاً بعيدا إلى أن يصل بالعبد إلى الإشراك بربه تبارك وتعالى ، فيهوي به إلى سوء الدار،أعاذنا الله عز وجل وإياكم من سوء العاقبة.